بكيبورد: كاثرين غروث، باحثة مساعدة في مؤسسة “فريدوم هاوس” وحيدر حمزوز، مؤسس شبكة “إنسم” للحقوق الرقمية في العراق.
في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر، يتوجّه العراقيون إلى صناديق الاقتراع للتصويت في الانتخابات البرلمانية، وهي منعطف هام لبلد لا تتوفر فيه فرص المشاركة الديمقراطية إلا قليلاً وبشكل متباعد. سيجري التصويت وسط جائحة كوفيد-19 المستمرة والأزمة الاقتصادية والاضطرابات الشعبية. علاوة على ذلك، تتعرض حرية الإنترنت في العراق، بما في ذلك إقليم كردستان، لاعتداءات، وفقاً لتقرير “الحرية على الإنترنت 2021” الصادر حديثاً عن مؤسسة فريدوم هاوس.
هذه البيئة المقيّدة تهدد نزاهة الانتخابات وتزيد من إعاقة التقدم الديمقراطي في العراق. يُعَدّ الإنترنت الحُرّ والمفتوح أمراً بالغ الأهمية أثناء الانتخابات، إذ يمكّن الناخبين من الوصول إلى معلومات دقيقة والمشاركة في نقاش هادف والتحدث بحرية عبر الإنترنت دون التعرض للتهديد بالاضطهاد.
كيف تهدد الرقابة والمعلومات المضللة والمضايقة نزاهة الانتخابات؟
هناك خطر حقيقي يتمثل في أن السلطات ستحدّ من الوصول إلى الإنترنت وتلجأ إلى أشكال أخرى من الرقابة الصارمة خلال هذا التصويت الحاسم. فقد فعلت ذلك، على سبيل المثال، في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، عندما ردّت على الاحتجاجات المناهضة للحكومة من خلال تعطيل الوصول إلى الإنترنت في معظم أنحاء البلاد. وقبل ذلك، في انتخابات 2018، ظهرت تقارير عن انقطاع الاتصال بعد الدعوات العامة إلى مقاطعة التصويت.
يُعَدّ الوصول إلى الإنترنت أمراً ضرورياً للناخبين للحصول على المعلومات التي يحتاجونها لاتخاذ قرارات مستنيرة في صندوق الاقتراع. ويُعَدّ الاتصال بالإنترنت ضرورياً أيضاً للصحافيين والمدوّنين وأعضاء المجتمع المدني والأشخاص العاديين للإبلاغ عن مخرجات الانتخابات، ولفت الانتباه إلى أي مخالفات أو حالات لترويع الناخبين، والضغط من أجل المساءلة.
كما أن التلاعب الواسع النطاق بالمحتوى على الإنترنت والافتقار إلى نظام إعلامي قوي ومستقل يحد من قدرة الناخبين العراقيين على فصل الحقيقة عن الخيال. تنفق الأحزاب السياسية والجهات الفاعلة غير الحكومية ووسطاء السلطة المرتبطين بها سياسياً مبالغ كبيرة من المال لنشر معلومات كاذبة أو مضللة عبر الإنترنت للترويج لأجنداتهم. علاوة على ذلك، فإن الافتقار إلى التنوع في وسائل الإعلام ذات المصداقية على الإنترنت، وانتشار المنافذ المؤيدة للحكومة، والقيود المالية التي تحدّ من قدرة الصحافة المستقلة على العمل، كل ذلك وفّر مساحة لانتعاش المعلومات المضللة عبر الإنترنت.
هددت المعلومات المضللة التي تستهدف مسؤولي الانتخابات والسياسيين المنتخَبين والمسؤولين الحكوميين بالفعل مصداقية المرشحين وثقة الناخبين. وحثت بعض الأحزاب السياسية التي انسحبت من الانتخابات أنصارها على مقاطعة التصويت، بما في ذلك من خلال نشر شائعات على وسائل التواصل الاجتماعي من شأنها تقويض الثقة في النظام الانتخابي العراقي.
يُعَدّ الإنترنت الحُرّ والمفتوح أمراً بالغ الأهمية أثناء الانتخابات، إذ يمكّن الناخبين من الوصول إلى معلومات دقيقة والمشاركة في نقاش هادف والتحدث بحرية عبر الإنترنت دون التعرض للتهديد بالاضطهاد
تتعرض مصداقية السباق للتهديد أيضاً بسبب تزايد المضايقات والعنف الذي يواجهه الأشخاص للانتقام من نشاطهم عبر الإنترنت. قامت الأحزاب السياسية والجماعات القوية غير الحكومية بترهيب ومضايقة ومهاجمة خصومها قبل الانتخابات. المرشحات والمحسوبات على الاحتجاجات التي بدأت في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 هنّ من بين المستهدفين بحملات الابتزاز والتشهير من قبل الجيوش الإلكترونية، إلى جانب العنف على الأرض.
دفعت المضايقات المتفشية والاعتداءات الجسدية المميتة أحياناً على الصحافيين والنشطاء ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الكثيرين إلى ممارسة الرقابة الذاتية. إن التهديد المستمر بالانتقام بسبب الكلام عبر الإنترنت وإفلات الجناة من العقاب يمكن أن يحدّ من رغبة الناس في انتقاد المرشحين ومحاسبة المسؤولين. هذا له تأثير مخيف هائل على الإنترنت، وإلى جانب انتشار المعلومات المضللة، يساهم في بيئة معلومات غير موثوقة تؤثر على قدرة الناخبين على اتخاذ قرارات مستنيرة.
كيفية الدفاع عن حرية الإنترنت قبل التصويت وأثناءه وبعده
في حين كشفت الاضطرابات السابقة على الانتخابات عن العديد من التحديات التي يواجهها مستخدمو الإنترنت، فإن تعزيز حرية الإنترنت في العراق ليس بأي حال من الأحوال قضية خاسرة. كانت هناك انتصارات مؤخراً لمناصري حرية الإنترنت: في شباط 2021، علّق البرلمان العراقي مشروع قانون مثير للجدل بشأن الجرائم الإلكترونية كان من شأنه أن يمنح السلطات القدرة على مقاضاة ومعاقبة أي شخص ينخرط في خطاب على الإنترنت يُعتبر أنه “يهدد المصالح الوطنية”. قبل تعليق مشروع القانون، دعا النائب الأول لرئيس مجلس النواب حسن كريم الكعبي إلى تعديل المسودة لحماية حرية التعبير على الإنترنت بدلاً من تجريمها. توفّر المعارضة التشريعية ضد المسودة بصيص أمل في وجود إرادة سياسية لحماية التعبير عبر الإنترنت، وفي استجابة المسؤولين لحملات المجتمع المدني.
لكي يعزز العراق التقدم الديمقراطي، يجب أن تكون هناك جهود متواصلة وتشريعات قابلة للتنفيذ لحماية حقوق العراقيين، بما في ذلك الحق في الإنترنت الحُر
يجب على أولئك الذين يعملون على تعزيز البيئة الانتخابية العراقية أن يدافعوا عن حرية الإنترنت. يجب على الجهات الفاعلة في المجتمع المدني الاستمرار في توثيق ورفع مستوى الوعي حول الرقابة والتلاعب بالمحتوى والاعتداءات الجسدية ضد مستخدمي الإنترنت. يمكن لهؤلاء الفاعلين أيضاً تعزيز قاعدة مستخدمين أكثر صموداً عبر الإنترنت بمرور الوقت، من خلال التعليم المدني المستمر وعمل محو الأمية الإعلامية.
كما أن للقطاع الخاص دور يلعبه. في آب/ أغسطس، أعلنت فيسبوك أنها ستفحص الإعلانات السياسية قبل الانتخابات القادمة، بهدف الحد من التضليل السياسي وتعزيز الشفافية. إن الإعلان عن الأفراد والجماعات الذين يدفعون مقابل الإعلانات السياسية سيوفر للناخبين الشفافية التي يحتاجون إليها بشدة. يجب أن تكون هذه الخطوة جزءاً من نهج أوسع من قبل شركات وسائل التواصل الاجتماعي يتضمن الاستثمار في زيادة القدرة على إجراء تحليل محتوى للغة المحلية، وضمان قدر أكبر من الشفافية والمساءلة في الإشراف على المحتوى، وتوفير سبل استئناف للمستخدمين الذين يُقيَّد محتواهم. على شركات التكنولوجيا أيضاً تعزيز المشاركة مع الخبراء المحليين لفهم الآثار المترتبة على سياساتهم ومنتجاتهم وإجراء التعديلات اللازمة عليها من أجل حماية حرية الإنترنت.
وفي الوقت نفسه، يجب على مزودي خدمة الاتصالات وشركات التكنولوجيا الأخرى مقاومة أوامر هيئة الاتصالات والإعلام العراقية (CMC) لقطع الاتصال بالإنترنت أو حظر الخدمات الرقمية. على الشركات بدلاً من ذلك استخدام جميع القنوات القانونية المتاحة للرد على مثل هذه الأوامر وإعطاء الأولوية لحقوق المستخدمين. باختصار، يمكن للشركات – إذا كانت تفتقر في النهاية إلى القدرة على مقاومة تهديدات أو غرامات CMC – أن تعمل على ضمان أن تكون الاضطرابات محدودة قدر الإمكان من حيث المدة والنطاق الجغرافي والمحتوى المتأثر.
على الشركات أيضاً توثيق مطالب الحكومة للرقابة بدقة وإخطار المستخدمين بسبب تقييد الاتصال أو المحتوى. سيكون هذا مفيداً بشكل خاص للمستخدمين العراقيين، الذين يتعاملون بالفعل مع عملية صنع قرار غير شفافة من قِبل الجهات التنظيمية. بالإضافة إلى ذلك، على الشركات التي توفر شبكات افتراضية خاصة أن تقدّم خدمات مجانية أو منخفضة التكلفة، بالإضافة إلى خدمات آمنة قبل يوم الانتخابات وفي يومه، بحيث يمكن للناخبين الوصول إلى منصات وسائل التواصل الاجتماعي والموارد الأساسية الأخرى إذا حُظرت.
يُعَدّ التمسك بحرية الإنترنت وحماية حقوق مستخدمي الإنترنت أمراً ضرورياً إذا أريد للانتخابات القادمة أن تكون حرة ونزيهة حقاً. ومع ذلك، فإن التهديدات التي تتعرض لها حرية التعبير عبر الإنترنت وخارجه لن تنحسر لمجرد مرور الانتخابات. لكي يعزز العراق التقدم الديمقراطي، يجب أن تكون هناك جهود متواصلة وتشريعات قابلة للتنفيذ لحماية حقوق العراقيين، بما في ذلك الحق في الإنترنت الحُر.
تم نشر المقالة على موقع رصيف 22