في عالمٍ تتداخل فيه الحياة الرقمية مع الواقع، أصبح الحفاظ على الخصوصية وحمايتها أمراً بالغ الأهمية، كما أنه معقّد في الوقت ذاته، إذ تتعرض العديد من النساء العراقيات اليوم، للتهديدات والتحديات في الفضاء الإلكتروني، حيث تُنتهك حقوقهن ويتم نشر صورهن وفيديوهاتهن من دون إذن، مما يؤدي إلى نتائج كارثية على حياتهن الشخصية والاجتماعية.
احتفال تحوّل إلى كابوس:
كانت حنين مراد (اسم مستعار بناء على طلبها)، والبالغة من العمر 22 عاماً، قد احتفلت مؤخراً بتخرجها من الجامعة وسط أجواء من الفرح مع صديقاتها. كانت اللحظة عاطفية ومميزة بالنسبة لها، تماماً كما هو الحال مع أي متخرجة/ة في مثل هذا اليوم المتميز، إلا أن حنين لم تكن تعلم أن فرحتها ستتحول إلى كابوس، حينما قررت أثناء الاحتفال، نشرت بعض الفيديوهات القصيرة رفقة صديقاتها أثناء أجواء الاحتفال والرقص، عبر منصات التواصل الاجتماعي، ولكن سرعان ما تحولت هذه اللحظات المبهجة إلى أزمة، عندما تم سحب الفيديو من حسابها الشخصي وإعادة نشره على تطبيق “تيك توك” دون علمها أو إذن منها، ليلقى الفيديو رواجاً واسعاً ووصل إلى أكثر من نصف مليون مشاهدة عقب ساعات قليلة من نشره، وبذلك أصبح الفيديو الذي كان يُظهر لحظة فرح شخصية، عرضة للانتقادات والإساءات، التي تطورت إلى تهديدات شخصية ضد حنين، وهذا ما تسببت به حالة عدم فهم الخصوصية الرقمية للأفراد، والتلقائية المتفشية في الوسط الرقمي في نشر المحتوى.
التحديات المجتمعية والتهديدات الشخصية
في مجتمع محافظ، لم يمثل العنف الرقمي الذي تعرضت له حنين وصديقاتها تهديداً لسمعتهن فحسب، بل أيضاً لعلاقتهن بعائلاتهن والمجتمع المحيط بهن. وبالنسبة لهن كان الخوف من الفضيحة أكبر من أي شيء آخر، وكأن المشكلة لا تقتصر فقط على الاعتداء الرقمي، بل على التبعات الاجتماعية والعائلية الخطيرة التي يمكن أن يواجهنها، خاصة في مجتمع يتعامل مع قضايا مثل هذه بحساسية شديدة.
ومع تصاعد سرعة انتشار الفيديوهات، أصبح الوضع لا يُحتمل، فحتى عائلتها التي تصفها حنين بـ”المتفهمة” كانت في حالة من الذعر الشديد، حيث كانت تخشى على حنين من العواقب الاجتماعية الوخيمة التي قد تنجم عن نشر هذا النوع من الفيديوهات.
ما فاقم من تعقيد حالة الذعر التي واجهتها حنين، هو أن صديقتها التي تظهر في الفيديو تنتمي إلى عائلة وصفتها بـ”القاسية”، حيث تصف حنين ما حصل حينذاك: “سيصل الأمر إلى القتل في حال وصل هذا الفيديو إلى عائلة صديقتي، وأنا الملامة في هذا لأنني من قمت بنشر الفيديو وتعريض حياة صديقتي للخطر”.
الاستجابة السريعة والتعاون بين المؤسسات
بعد أن انتشرت الفيديوهات على نطاق واسع، بدأت حنين في محاولة حل المشكلة بالطرق الرسمية والقانونية، حيث قامت بالاتصال بجميع الأرقام التابعة للمؤسسات الرسمية المعنية بمحاربة الابتزاز، من أجل التبليغ عمّا تعرضت له، إلا أن هذه الطريقة فرضت عليها وعلى صديقاتها شرط التوجه للمحكمة ورفع قضية على ناشر الفيديو، وهو ما لم يعتبر حلاً بسبب التابوهات المجتمعية القائمة على لوم الضحية، كما أن هذه الطريقة ستفتح باباً للتواصل بين الأهالي، وبالتالي زيادة تعقيد المشكلة حسبما تصف حنين.
ولذلك لجأت حنين إلى التواصل المباشر مع ناشر الفيديو، وأرسلت أشخاص معروفين لديه لإقناعه بحذف الفيديو، كما شرحوا له ما سيترتب عليه من تبعات قانونية في حال لم يشرع بحذف الفيديو، إلا أن هذه المحاولات لم تكلل بالنجاح وفتحت الباب لابتزازها، حيث اشترط عليها ناشر الفيديو أن ترسل إليه “رصيد” (بطاقة تعبئة شريحة الهاتف) مقابل حذف الفيديو،وبالفعل قامت حنين بإرسال الرصيد إليه ظنّاً منها أن هذه الطريقة ستساعد الجهات الرسمية بسرعة الوصول لموقعه الجغرافي، وهو ما لم يحصل. ومع ذلك، فإن المبتز قام بإخفاء الفيديو لساعات قليلة.
وبعد قليل من الراحة، اكتشفت حنين أن الفيديو قد تم نشره مرة أخرى صباح اليوم التالي، مما أعاد إليها القلق والخوف من عواقب هذه المواقف المستمرة، خاصة في مجتمع يراقب كل تحركاتها. مع ذلك، وبعد أن وصلت القصة إلى وزارة الداخلية العراقية، لم يكن هناك حل ملموس أو حقيقي وبقي مقترن بتوجه حنين وصديقاتها إلى المحكمة لتقديم شكوى عليه، وهذا ما سلف ذكره أنه صعب فعله، مما دفعها في النهاية إلى التوجه إلى مؤسسة “أنسم” للحقوق الرقمية بنصيحة من أحد أصدقائها للحصول على الدعم الفوري والمساعدة في إزالة الفيديو نهائياً من جميع المنصات.
وهنا، استقبلت “انسم” قضية حنين وتفاصيلها، لتقوم بدورها المدافع عن حقوق الإنسان والخصوصية الرقمية، وبصفتها شريكاً موثوقاً مع منصة “تيك توك” اتخذت الإجراءات الأولية بتفصيل الحالة من خلال تقرير يتضمن تفاصيل الفيديوهات التي تم نشرها والتعليقات المسيئة عليها مع ترجمتها، ومن ثم قامت بتقديمه إلى تيك توك، مما سهّل على المنصة اتخاذ القرار بإزالة المنشور وحظر الحساب الذي ابتز حنين وصديقاتها، وإغلاقه نهائياً.
النجاح المشترك والرسالة الأوسع
تسلّط هذه القصة الضوء على أهمية احترام الحقوق الرقمية للنساء، وتذكّرنا بضرورة تعزيز حمايتهن في الفضاء الإلكتروني. وكما كشفت قضية حنين، فإن التعامل مع مثل هذه الحالات لا يقتصر فقط على الاستجابة السريعة عند وقوع الحوادث، بل يتطلب أيضاً جهوداً مستمرة في التوعية والتثقيف على كيفية التعامل في المواقف المشابهة، فمن الضروري تمكين النساء بالمعرفة اللازمة لحماية أنفسهن من التهديدات الرقمية المتزايدة في هذا العصر.
وبما أن هذا الموقف، تخللته مخاوف ومحاذير من التواصل مع الجهات الرسمية أو من إكمال الإجراءات المتعلقة بالشكوى، فيجب أن تعمد المؤسسات الحكومية الرسمية المعنية، إلى الاستجابة بالشكل الذي لا يفاقم من المشكلة، وبما يضمن خصوصية الضحية وحل مشكلتها بهدوء، نظراً للعقبات الاجتماعية والقبلية التي تقف في طريقها.
نحن في “أنسم” نؤمن بأنه يجب أن يكون كل مستخدم سواء كان ذكر أم أنثى، قادر على استخدام الإنترنت بحرية، وأمان دون الخوف من التهديدات الرقمية أو العواقب الاجتماعية، كما تعد هذه القصة منطلقاً لكي ندعو أي ضحية ي/تتعرض إلى أي نوع من أنواع الانتهاكات الرقمية، إلى التواصل وطلب المساعدة، لنكون بجانبهم وفق مدى الإمكانيات التي تستطيع من خلالها المؤسسة وشركاؤها أن تساهم في حفظ الخصوصية والتقليل من الأخطار التي تسببها الانتهاكات الرقمية، لضمان إنترنت آمن للجميع.
للتواصل مع منصة أنسم للطوارىء الرقمية
Report@insm-iq.org
WhatsApp: +9647835882244