بين مخاوف الشباب وضرورة التنظيم: الحكومة تصدر لائحة نظام التجارة عبر الانترنت

تمثل التجارة الإلكترونية اليوم في العراق قطاع اقتصادي جديد بتعاملات بلغت أكثر من ثلاث مليارات دولار سنويًا، وسوق نشطة أسهمت في توفير الفرص لعشرات الآلاف من الشباب الهاربين من البطالة

حيث استطاعت هذه التجارة عبر بساطة أدواتها وإمكاناتها، أن تجعل الشباب يتجاوزون بيروقراطية الدولة في تسجيل أعمالهم وتضمينها بإطار الشركات التقليدية والانتظار بين طوابير الموافقات الطويلة، مما وفر فرصة أن يديرون تجارتهم الخاصة بعيدًا عنها, مما يؤدي إلى تبعّات سلبية نتيجة غياب رقابة الدولة

ومع تزايد أهمية هذا القطاع الجديد، بظل غياب تشريعات تتلائم مع حداثة هذه التجارة، اصدرت الحكومة مؤخرًا  قراراً بتشريع لائحة نظام تنظّم التجارة الالكترونية ، والتي اقترحها البنك المركزي ثم صوت عليها مجلس الوزراء بجلسته الاعتيادية الرابعة (بتأريخ 28-1-2025)، وتم نشرها في الجريدة الرسمية، حيث سيبدأ تطبيقها منتصف الشهر الجاري 

مخاوف أصحاب المشاريع الصغيرة على الانترنت  

تسبب القرار الحكومي الجديد في موجة من الجدل، ومخاوف جديدة للشباب الذين يديرون مشاريعهم الصغيرة على الانترنت 

  كان النقاش يدور حول نص النظام الذي يتضمن 28 مادة، التي اشترطت على صاحب كل متجر أو بيچ الحصول على إجازة رسمية لمزاولة نشاطه، وتفويض وزارة التجارة بصلاحية المتابعة والرقابة، وفرض استحصال موافقات أخرى من الجهات المعنية المرتبطة بنوعية المنتجات، والية إبرام العقود مع الزبائن, والتعامل مع البيانات, واحتمالات فرض الضرائب، وطبيعة الإعلانات ومعاييرها، وسعر الصرف المستخدم في التعاملات.

في المقابل، استقبل آخرين القرار بالترحيب، مؤكدين على أن تنظيم التجارة الالكترونية بات حاجة اجتماعية حقيقية، حيث يلزم النظام الجديد التاجر الالكتروني بالالتزام بآليات عقد ودفع محددة وسياسات استبدال واسترجاع وحد أقصى للتوصيل وتوفير آلية رد على الشكاوى، وتوفير معلومات كاملة للزبائن قبل ابرام اي عقد, وحماية بياناتهم الشخصية, ومحاسبة المخالفين للضوابط. 

الشباب يشاركون تجاربهم ومخاوفهم 

تدير فاطمة (19 عامًا) متجرًا الكترونيًا للشموع التي تصنعها في بيتها، وتقول في إطار حديثها لأنسم

 ” ترخيص المتاجر الإلكترونية او البيچات من الدولة يوفر حماية للمستهلكين، ويفصل ما بين المتاجر الحقيقية والمزيفة، لكن الشروط المفروضة ليس من الممكن تطبيقها على كل المتاجر بدون مراعاة اختلافها، حيث تفرض شروط تشابه شروط افتتاح مصنع، على تجارة بسيطة تُصنّع من المنزل.” 

من جانب آخر، يقول محمد (24 عام) وهو تاجر الكتروني يدير وكالة للأجهزة الكهربائية لأنسم 

” الحماية القانونية للتاجر والزبون عبر النظام ضرورة، ومثمرة في تعزيز الثقة مع الزبائن، بشرط أن لا يفتح هذا النظام بابًا للدولة لإعاقة هذا القطاع النامي الذي يحتاج إلى تسهيلات لا تعقيدات، وأن لا يتم فرض رسوم كبيرة على التجار، وإيضاح آلية النظام بالاستدلال بالأحقية في الخلافات. “

ثغرات قانونية 

رغم معالجة النظام للعديد من المسائل العالقة، وتغطيته حاجة تنظيمية ضرورية في السوق العراقي اليوم، لكن ما زال النظام غير مكتمل الملامح وتسودّه الضبابية في بعض فقراته، حيث لا تتضمن لائحة النظام المصوت عليها تفاصيل تخص آلية تنفيذه، ولا تفاصيل تخص حماية المستهلك في حالة النزاعات، او آلية الرقابة وتحديد الهيئات المختصة والعواقب على المخالفين,كما لم يتم الى الان الاعلان عن المنصة التي سيتم تسجيل المتاجر الالكترونية فيها واعطاء الاجازة, رغم دخوله حيز التنفيذ في الايام القادمة.

وفقًا للخبير الإقتصادي وعضو إعداد ضوابط التجارة الالكترونية المهندس منار العبيدي، خلال حديث لـ ” أنسم ” ان النظام يمثل خطورة بأمكانية ترسيخه للبيروقراطية بقطاع جديد، ويتضمن العديد من الثغرات، حيث لم يعالج الحقوق الفكرية، ولا آليته بمكافحة الإحتكار، كما لم يتضمن طريقة احتساب الضرائب على المتاجر. 

في الختام، يبقى نجاح هذا النظام مرهونًا بقدرته على تحقيق التوازن بين حماية المستهلكين والتنمية الإقتصادية عبر المنصات الرقميّة الحديثة، وإيضاح آلية الحكومة بفرض قراراتها عبر هذه المنصات بدون تضييق الحقوق الرقميّة للمستخدمين، ومعالجة التحديات المرتبطة بأفتقار العراق للبنية التحتية التقنية المتكاملة، بظل الإنقاطاعات المتكررة للأنترنت التي تتسبب بخسارة ملايين الدولارات في هذا القطاع، من خلال توفير آليات واضحة للتنفيذ، وتقديم تسهيلات للشباب، وضمان عدم تحول التنظيم إلى عائق أمام هذا القطاع الحيوي، ولعل الحوار المستمر بين الحكومة ورواد الأعمال هو المفتاح لصياغة سياسات أكثر عدالة وواقعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *