حيدر الموسوي
أثار قرار هيئة الإعلام والاتصالات العراقية، مؤخّراً، جدلاً واسعاً في مجال صنّاعة المحتوى في العراق، إذ يقضي بفرض رسوم مالية على صنّاع المحتوى والمؤثّرين بحسب أعداد متابعيهم، يتم دفعها سنوياً وفق “ضوابط” حدّدتها الهيئة. وتهدف “لائحة تنظيم عمل المشاهير وصنّاع المحتوى الرقمي”، التي أعلن عنها المتحدث باسم الهيئة حيدر نجم العلاق، إلى “وضع إطار تنظيمي يحدّد المعايير والإجراءات الخاصة بالمحتوى الرقمي والإعلانات على منصّات التواصل الاجتماعي”.
ولفت العلاق، إلى أنّ “اللائحة تتضمّن مجموعةً من المعايير التي يجب الالتزام بها، وأبرزها احترام السيادة الوطنية، وعدم بثّ محتوى يسيء إلى مكانة العراق أو يؤثّر في علاقاته الخارجية، ودعم مؤسسات الدولة الأمنية في مواجهة الإرهاب والتطرّف، ومنع التحريض على العنف والفتن الدينية أو العرقية التي قد تهدّد السلم المجتمعي، وضمان حقّ الردّ للأشخاص المتضرّرين من الإعلانات أو المحتوى المنشور”.
كما أوضح أنّ الهيئة حدّدت رسوماً سنويةً لتسجيل المؤثّرين وصنّاع المحتوى وفق أعداد متابعيهم، على النحو التالي:

وأضاف العلاق: “سيتم تطبيق هذه اللائحة وفق آليات واضحة لمراقبة امتثال المشاهير وصنّاع المحتوى للمعايير التنظيمية، مع إتاحة الفرصة لهم لتسجيل أنشطتهم بشكل قانوني والاستفادة من التسهيلات التي تقدّمها الهيئة”.
“الدولة تحاول السيطرة على صنّاع المحتوى وخلق خطاب موحّد يمثّل الدولة حين تحتاجهم، ومن لا يتعاون تُطبّق عليه قوانين الأرض والسماء، وهذا ليس سوى مقدّمة لفرض وصاية على صنّاع المحتوى، والسيطرة عليهم، ليتمّ تقييد الحريات على الإنترنت، بعد أن تم تقييدها على الأرض بقوّة السلاح”
الهدف فرض الرقابة؟
وأثار القرار العديد من الانتقادات وردود الفعل الرافضة من قبل صنّاع المحتوى، لأسباب عدة، منها اعتبار القرار شكلاً آخر لفرض الرقابة على المحتوى المنشور عبر السوشال ميديا، وتقييد وانتهاك الحرية والخصوصية. كما تساءل البعض عمّا قد تقدّمه الهيئة من خدمات مقابل هذه الرسوم، وأعلنوا رفضهم تنفيذ القرار تحت أي ظرف، متعجّبين: “كيف يُمكن للدولة مطالبة المواطنين بدفع رسوم، في حين أنها عاجزة عن توفير أبسط مقوّمات الحياة!”
آندي العراقي، صانع محتوى عراقي شابّ يُخفي خلف هذا الاسم هويته الحقيقية، وينشط عبر قناته التي يُتابعها 640 ألف شخص على يوتيوب، حيث يقدّم محتوىً في صورة حلقات تجمع بين الترفيه والتوعية بطريقة ساخرة، ويناقش قضايا تهمّ الشباب مثل التوظيف والوضع السياسي والبيئة، بهدف زيادة الوعي وحلّ المشكلات بأسلوب جريء ومباشر، يقول لرصيف22، إنَّ “القرار سيؤثّر عليّ لأنّ لا أحد يعلم ما هي لوازم وطريقة التسجيل، والأهم: ماذا بعد التسجيل؟ ما نعرفه هو أنّ المتحدّث الرسمي باسم الهيئة قال إنه يشترط على صانع المحتوى أن يسجّل بالنظام، وليس بيده ألّا يسجّل، وهذا ما يقود إلى مشكلات وقيود أكبر على صانع المحتوى، أولها أنّ المتحدث قال بالحرف: ‘الغرض من القرار تنظيمي لعمل السوشال ميديا وأكيد لحماية سيادة العراق’. حسناً، سيادة العراق مصطلح مطاطي وعذر يمكنك استعماله كيفما تريد، وهذا ما سيعطي الوزارة سلطةً كبيرةً على صانع المحتوى، ويُعدّ تقييداً لطرحه وأفكاره”.
بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة
مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.
من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.لنتحرّر من قيودنا!
يضيف آندي: “ما أميل إليه هو أنّ الوزارة قراراتها مذبذبة، إذ حظرت ساوند كلاود بحجّة أنّ فيه محتوى إباحياً -برغم أنّ العالم كلّه يعلم أنّ هذا الكلام مغلوط- وبعدها قامت بفتحه، وبالتأكيد ستنظر إلى الحلقة (المحتوى) نظرةً غير صحيحة، وتقول إنها انتهاك لسيادة البلد، وتالياً سأُحاسَب على الموضوع، أو يُحذف الفيديو في حال كنت مسجّلاً عند الوزارة، بالإضافة إلى أنهم سيعرفون معلوماتي”.
مثال آخر يضربه آندي: “شخص طفح الكيل عنده في موضوع الكهرباء، وسأل مستنكراً لماذا الكهرباء التي يدفع عليها أموالاً شهرياً هكذا وضعها؟ أو تساءل: لماذا من 2005 ليست لديّ كهرباء؟ وانتقد الحكومة في هذا الصدد؛ هل يُعدّ هذا انتهاكاً لسيادة الدولة؟ أو يُحذف المقطع حتّى ينظّم المحتوى في مواقع التواصل الاجتماعي؟”. ويستنتج: “الواضح صراحةً أنّ القرار يسير باتجاه تقييد حرية التعبير عن الرأي، ويبدو أنّ الحكومة لا تودّ سماع آراء سلبية عن عملها، وتخوّف الحكومة واضح من السوشال ميديا لأنها تعرف حجم تأثيرها”.
“خلق خطاب موحّد”
وعن هذا الجانب، يلفت المدير التنفيذي لمؤسسة “أنسم” للحقوق الرقمية، في العراق، حيدر حمزوز، في حديثه إلى رصيف22، إلى أنَّ “الدولة تحاول السيطرة على صنّاع المحتوى، وخلق خطاب موحّد يمثّل الدولة حين تحتاجهم، ومن لا يتعاون تُطبّق عليه قوانين الأرض والسماء، وهذا ما هو إلّا مقدّمة لفرض وصاية على صنّاع المحتوى والسيطرة عليهم لتتم متابعة وتقييد الحريات على الإنترنت، بعد أن تم تقييدها على الأرض بقوّة السلاح”.
يضيف حمزوز: “لا أرى أنّ القرار تنظيميّ، وللأسف يبدو أنّ مجلس أمناء الهيئة استعجل في إصدار هذه اللائحة غير المدروسة، التي لا تتوافر فيها أي أدوات سواء للتسجيل أو الجباية، ولم يتم حتّى التشاور مع منظّمات المجتمع المدني المعنية أو صنّاع المحتوى أنفسهم في جلسات مفتوحة، والكل متفاجئ”.
هل يؤثّر القرار على “صوت المواطن”؟
يُعدّ العديد من صنّاع المحتوى في العراق، وسيلةً لنقل أصوات المواطنين، وحلقة وصل بينهم وبين السلطات، خصوصاً في ظلّ الاحتياجات العديدة للمواطن العراقي، والمشكلات التي تتزايد يوماً بعد يوم، في ما يخص نقص الخدمات والمظلومية التي يتعرّض لها الكثير من أبناء العراق، لذا فإنّ دورهم يأتي مساهماً في حلّ هذه المشكلات، وإيصال الأصوات غير المسموعة، فكيف قد يؤثّر القرار في قدرة المؤثّرين على الاستمرار في نقل معاناة الشارع؟
تقدّم الصحافية المستقلّة منار الزبيدي، من محافظة الديوانية، محتوى توعوياً عبر حسابها على فيسبوك، الذي يتابعه أكثر من 160 ألف شخص، ويركّز على الانتخابات، ودعم المرشحات المستقلّات، ومحاربة المعلومات المضلّلة، بالإضافة إلى تقديم حملات دعم مجانية لتمكين المرأة سياسياً، كما تساهم في القضايا الإنسانية عبر تسليط الضوء على معاناة المواطنين، ودعم الضحايا والمشاريع الصغيرة، بهدف خلق تأثير إيجابي في المجتمع. وتُدير صفحتها بلا إعلانات مدفوعة، بل تقدّم الخدمات الاجتماعية مجاناً لتحقيق تغيير حقيقي.
“بالتأكيد سيؤثّر القرار بشكل مباشر، وسيحجّم عملنا ويحدّ من تقدّمنا، لأنه ليست لدينا منافذ مالية مثل صفحات مشاهير آخرين ربما يتقاضون أموالاً على الإعلانات أو من المسؤولين. هذا بالتأكيد سيضيّق علينا، وتالياً يضيّق على التعبير عن حاجات المواطنين ونقل صوتهم”، تقول الزبيدي، لرصيف22.
وتضيف: “المتابعون يلجؤون إلى الصفحة، لأنهم ليست لديهم وسيلة للتواصل مع السلطات وأصحاب القرار، إلا من خلال وسائل الإعلام، وبالفعل الكثير من القضايا التي تناولناها من خلال فيسبوك بشكل خاص، استطعنا أن نحقق نتائج ملموسةً فيها. القرار ليس فيه أي تفصيل، إنما يقول إن ‘المؤثّرين وصنّاع المحتوى والمشاهير’، أي كل شخص مؤثّر. مثلاً، أنا مؤثرة في بيئتي وفي محافظات عدة وفي المنطقة، في ما أقوم بنشره، وصفحتي تضمّ 160 ألف متابع، وهذه تمثل حقوق وتطلعات أناس كثيرين، وعندما تُفرض عليّ رسوم سنوية من 250 إلى 500 ألف دينار عراقي، من أين آتي بها وأنا أصلاً أقدّم خدمات مجانيةً من خلال الصفحة؟ هل يريدون مثلاً أن يجبروني على تقاضي أموال من الناس في سبيل أن أنشر لهم؟ هذا بالتأكيد لن أفعله، ومستعدّة لإقفال الصفحة أو لخفض عدد متابعيها، ولا آخذ أموالاً من الناس الذين هم اليوم بحاجة إلى الصوت الصحافي والمساحة الحرّة اللذين يعبّران عن تطلّعاتهم”.
“تفاجأنا بهذا القرار، وأعتقد أنه الأوّل الذي يتخذه رئيس هيئة الإعلام والاتصالات نوفل أبو رغيف (المنتمي إلى تيار الحكمة)، وهو جديد على الهيئة. توقعنا أنّ يكون هناك تنظيم أكثر رصانةً للعمل الإعلامي وتنفيذ واقعي لمدوّنة السلوك التي وضعتها هيئة الإعلام والاتصالات، خاصّةً بالنسبة إلى برامج القنوات التلفزيونية. صحيح أنّ هناك خطوات في هذا الاتجاه، لكنها لا تتناسب مع ما يُقدّم من بعض البرامج التي تثير المشكلات السياسية وتهدّد الاستقرار الاجتماعي. وبعض البرامج من خلال ضيوفها تعطي إشارات طائفيةً، وتنشر الكراهية وغيرها من الأمور. هذه القنوات تقوم ببثّ مقاطع ‘ريلز’ صغيرة، أو على هيئة اقتباسات مع صور للضيوف، ويتم نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتأكيد لو نظرنا إلى التعليقات سنرى فيها مشكلات كبيرةً جداً وتهديداً للسلم المجتمعي والتعايش السلمي”، تقول الزبيدي.
وتستطرد: “أعتقد أنَّ القرار إمّا يستهدف تقييد حرية رأينا وتعبيرنا، خاصّةً أننا دائماً ما ننتقد الوضع الخدمي والسياسي، أو هو لغرض تحجيمنا من خلال دفع الأموال، لأنَّه بالتأكيد ستكون هناك حزمة من الإجراءات والضوابط أو العقوبات في حق من لن يدفع، وهو غير منطقي إطلاقاً، وغير مهني بالنسبة إلى الصفحات المستقلّة مثل صفحتي وأنا ممن لا يتقاضون الأموال أو ينشرون إعلانات، ولا من التابعين لأيّ جهة كانت”.
“هذه اللوائح والتعليمات لا ترقى إلى أن تكون نصوصاً قانونيةً… والنصّ الدستوري واضح وصريح: ‘لا يجوز فرض الرسوم والضرائب إلا بنصّ قانوني’، أي لا يمكن فرضها خارج النصوص القانونية”
وتضيف: “لو كنت مدعومةً من جهة حزبية أو سياسية، مثلما تفعل جهات حزبية عدة مع جيوشها الإلكترونية أو محبّيها أو أنصارها من المستويات والأوصاف، سأكون قادرةً على سداد الأموال، وربما كان عدد من يتابعونني يتخطى 160 ألفاً، لأنه سيتم تمويلي دائماً. لكنني لست منتميةً إلى أي جهة، ولا أتقاضى أموالاً من أي جهة، حزبيةً كانت أو شخصيةً، أو أيّ جهة أخرى. أنا مستقلّة وأنشأت صفحةً اجتماعيةً بهدف خدمة الرأي العام وتوعيته بعدد من القضايا المتنوعة”.
هل من مسوّغ قانوني للقرار؟
ويوضح الخبير القانوني جمال الأسدي، في حديثه إلى رصيف22، أنّ القرار لا يستند إلى نصّ قانوني، ولا ترقى اللائحة إلى أن تكون نصّاً قانونياً كي يجرّم على أساسها أو تترتّب عليها آثار قانونية فعلية. ويشرح: “هناك شيئان نُشرا خلال هذه الفترة؛ الأوّل هذه اللائحة التي نشرتها هيئة الإعلام والاتصالات، والثاني تعليمات عمل التجارة الإلكترونية الذي نُشر في جريدة الوقائع العراقية. بصراحة، هذه اللوائح والتعليمات لا ترقى إلى أن تكون نصوصاً قانونيةً لأنّ هذه اللوائح والأنظمة والتعليمات يفترض أن تُبنى وتعتمد على نصوص قانونية، إلا إذا كانت لوائح تنظيميةً لا تفرض شروطاً وواجبات عمل، أو تثبيت أسماء وهكذا، مثلاً إذا كان القانون قد نصّ على شيء ويحتاج إلى أمور تنظيمية، يكتبونها في صورة لوائح، لذلك أعدّ هذه اللوائح التي صدرت من هيئة الإعلام والاتصالات مع كل الاحترام لهم، وكذلك التعليمات التي صدرت من وزارة التجارة، لوائح وتعليمات تفتقد التشريع والأثر القانوني الحقيقي”.
ويضيف: “يجب أن يؤخذ في الحسبان، أنّ هذه الأمور ليس من المنطقي التعامل بها، فإما أن يصدر قانون لتنظيم التجارة الإلكترونية مثلاً أو تنظيم لائحة عمل المشاهير وصنّاع المحتوى، وبذلك تُفرض رسوم عليهم، خاصّةً أنّ النصّ الدستوري واضح وصريح: ‘لا يجوز فرض الرسوم والضرائب إلا بنص قانوني’، أي لا يمكن فرضها خارج النصوص القانونية”.
ويشير الأسدي، بذلك، إلى المادة 28 من الدستور العراقي، والتي تنص على أنه “لا تٌفرض الضرائب والرسوم، ولا تُعدّل ولا تجبى، ولا يعفى منها، إلا بقانون” أولاً، وثانياً: “يُعفى أصحاب الدخول المنخفضة من الضرائب بما يكفل عدم المساس بالحدّ الأدنى اللازم للمعيشة، ويُنظَّم ذلك بقانون”.
شقّ اقتصادي لا يمكن إغفاله
وفي ما يخص الجانب الاقتصادي للقرار، وما قد يعود على الدولة العراقية منه، يقول الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، في حديثه إلى رصيف22، إنّ “الموضوع يرتبط بحاجة العراق إلى تعزيز الإيرادات غير النفطية، في ظلّ التراجع الملحوظ في قيمة الإيرادات النفطية التي تشكل العمود الفقري للموازنة العامة، حيث إن أكثر من 90% من الموازنة العامة تعتمد على الإيرادات النفطية، لكنها بدأت بالتراجع خاصّةً هذا العام بسبب انخفاض سعر النفط وبسبب قيود أوبك بلس، التي تمنع العراق من التصدير بكامل طاقته التصديرية، وتالياً هناك دعوات إلى تعزيز الإيرادات غير النفطية، ولعلّ الضرائب هي أحد الروافد التي يمكن أن تلجأ إليها الحكومة من أجل رفع الإيرادات غير النفطية ومنها الضرائب المفروضة على صنّاع المحتوى، وهذا الموضوع سيتأكّد قريباً عندما تظهر الموازنة العامة ونطّلع على التفاصيل”.
يضيف المرسومي: “الرسوم التي فرضتها هيئة الإعلام والاتصالات على صنّاع المحتوى، أعتقد أنها لغرض تنظيم الأعمال، لكن طبيعة الرسوم منخفضة، سقفها مليون دينار حسب عدد المتابعين انخفاضاً إلى 350 ألف دينار، أي بحدود ما بين 350$ و700$، وربما هذه ليست نهاية المطاف، فسوف تكون هناك ضرائب أخرى على الدخل الذي يحصل عليه صنّاع المحتوى، لأنّ هناك لجنة الإصلاح الضريبي في مجلس الوزراء، التي أقرّت مجموعةً من الإجراءات بفرض ضرائب جديدة قد تكون من بينها ضرائب على الهاتف النقّال وأيضاً على صنّاع المحتوى الإلكتروني، فهؤلاء أيضاً سيخضعون لضريبة جديدة، ومقدارها لا يقلّ عن 15%”.
وهنا يتساءل المختصّ بالحقوق الرقمية، حمزوز، عن “كيفية تسجيل صنّاع المحتوى خارج العراق ومحتواهم العربي غير الموجّه إلى الداخل العراقي فقط”، معتبراً أنّ “القرار يفتح باب رسوم جديد وإيراد للدولة دون حوافز أو خدمات مقدّمة في المقابل!”.
ويتابع: “القرار يشمل -بحسب القراءة- صنّاع المحتوى ممن يستخدمون منصّاتهم في جوانب الإعلانات التجارية من خلال هذه المنصّات، وسيتأثّر كثر منهم، لأنّ هناك بالفعل قانون التجارة الإلكترونية الذي يفرض رسوماً على أصحاب الأعمال الصغيرة، وهم بحاجة إلى الدعم قبل فرض جباية الرسوم. صنّاعة المحتوى لا شك مورد اقتصادي مهم في البلدان، ولكن للأسف في العراق يتم استخدام صنّاع المحتوى كأدوات للدولة، وبدل تحفيزهم على الإنتاج ودعمهم، يتم فرض رسوم كبيرة جداً كما فرضت الرقابة الذاتية نفسها من قبل لجنة المحتوى الهابط“، وفق حمزوز، الذي يختم بأنَّ “هذا المورد الاقتصادي سيتعطّل، والعراق بيئة طاردة للاقتصاد الرقمي”.
بدورها، تقول منار الزبيدي: “بالتأكيد ستمتلئ خزينة الدولة، لكن كيف سيتصرفون بالأموال؟ وإلى أين ستذهب؟ ولمن سيعطونها؟ هذا ما لم تذكره الهيئة، ومن المفترض أن تذكر منافذ صرف الأموال المحصّلة، كي لا تتكون لدينا شكوك حول إمكانية ذهابها لأغراض حزبية أو شخصية، فهذا الموضوع يحتاج إلى شفافية من قبل هيئة الإعلام والاتصالات وتوضيح لأبواب صرفها. هذا ما نحتاج إلى معرفته”.
أداة لانتهاك الخصوصية
ويهدد القرار، حال تطبيقه، بأن يصبح باباً لجمع البيانات الشخصية والمعلومات عن صنّاع المحتوى والمؤثّرين، إذ إنّ التسجيل وإكمال إجراءاته، يتطلّبان بالتأكيد مراجعة دائرة مختصّة، أو تسجيل المعلومات في استمارة إلكترونية خاصّة، ما يثير المخاوف من كشف هوية صانعي المحتوى المنتقد للسلطة، أو الذين يوجّهون بوصلتهم نحو انتقاد الأداء الحكومي وتصويبه، ولا يستطيعون الكشف عن شخصياتهم الحقيقية تخوّفاً من أي إجراءات حكومية عقابية.
“صنّاعة المحتوى مورد اقتصادي مهم في البلدان، ولكن للأسف في العراق يتم استخدام صنّاع المحتوى كأدوات للدولة، وبدل تحفيزهم على الإنتاج ودعمهم، يتم فرض رسوم كبيرة جداً كما فرضت الرقابة الذاتية من لجنة المحتوى الهابط”، وفق حمزوز الذي يختم بأنَّ “هذا المورد الاقتصادي سيتعطّل، والعراق بيئة طاردة للاقتصاد الرقمي”
وفي هذا الصدد، يعود آندي العراقي، ليؤكد: “غالباً لن أسجّل في هذه اللائحة، لأنّ لدي قلقاً أكبر، وهو كشف معلوماتي، حيث إنني إذا ذهبت للتسجيل بالتأكيد لن يسمحوا لي بالتسجيل باسم ‘آندي’، وإنما باسمي الحقيقي ولقبي ورقمي، ويحصلون على كل معلوماتي، فلماذا أسجّل؟”.
“موضوع الهوية، واحد من الأمور التي تريد الدولة أن تسيطر عليها”، يستطرد حمزوز.
اقتراحات لـ”تقويم” القرار
يقول حمزوز، إنّ هناك حلولاً بديلةً يجب اتخاذها مع مراعاة حماية الحقوق الرقمية، وعدم فرض قيود أو الإضرار بالأمن المجتمعي، ومنها: “التعاون مع المنصّات الرقمية، والإشراف المجتمعي من خلال إشراك المجتمع المدني والخبراء في عملية اتخاذ القرارات المتعلّقة بالمحتوى، فضلاً عن تطبيق معايير حقوق الإنسان، مع ضمان أن تتماشى سياسات تنظيم المحتوى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في حرية التعبير وعدم التمييز، بالإضافة إلى تعزيز محو الأمية الرقمية وأهمية التعاون بين الحكومات والشركات والمجتمع المدني”.
وتضيف الزبيدي: “من المفترض على الهيئة، إذا كانت فعلاً تريد أن تنظّم هذا الموضوع، وتحافظ على النظام وتضمن التعايش السلمي، أن تحاسب أصحاب الصفحات الوهمية والمتهمة بابتزاز الناس والتي تحرّض على الكراهية، وتقوم بتحجيمها، هذا أولاً. أما ثانياً، فيمكن أن تتّجه إلى الأشخاص الذين يحصلون على مدخولات مالية عالية من الإعلانات وبالتأكيد هذا موجود، فضلاً عن صفحات المسؤولين الحكوميين المموّلة، من أين يأتون بالمال؟… هذه كلها أموال الشعب ومن غير المعقول أن يأخذوا من الشعب ويعطوا المسؤولين!”.
وتختم الصحافية العراقية: “يجب أن يكون القرار منصفاً وعادلاً ويشمل هذه الصفحات بما فيها صفحات المسؤولين الذين يروِّجون بأموال الشعب لفعالياتهم، أما الصفحات المستقلّة، فيُفترض أن تدعمها هيئة الإعلام والاتصالات، وتستفيد منها في دعم المبادرات الاجتماعية مثلاً ومحاربة المخدرات ودعم جهود التغيرات المناخية، ونشر الوعي الثقافي والسياسي، وأن تخصّص لها مبالغ لأنها تقدّم خدمات مجانيةً للمجتمع”.
وفي ظلّ المعطيات المطروحة، من غياب الوضوح في مضامين اللائحة، وعدم الإعلان عن أركانها وحيثياتها، تبقى التساؤلات والمخاوف قائمةً إلى حين صدور توضيحات رسمية، تبيّن آلية تطبيق القرار وسنده القانوني، حيث يبقى في الوقت الحالي مجرّد أداة تقيّد حرية التعبير وتضيف عبئاً مالياً على الشباب العراقيين، ويمكن أن يؤثّر سلباً على الاقتصاد الرقمي ويدفع إلى هجرة المواهب.
ويبقى السؤال الأهم: هل يمكن تحقيق التوازن بين تنظيم المحتوى ودعم الإبداع دون فرض قيود تعيق التطوّر الرقمي وحرية الرأي؟ أو أن القرار سيضاف إلى قائمة الأدوات الرقابية على الحرّيات؟
المصدر: رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.