القاضي سالم روضان الموسوي

عند اشتداد أي أزمة سياسية في داخل البلد وارتفاع صوت المواطن عبر الاحتجاجات دأبت الحكومات المتعاقبة على حجب مواقع التواصل الاجتماعي وأحيانا شبكة الانترنيت بأكملها مثلما حصل في الأيام الأخيرة أثناء الاحتجاجات التي حدثت في تشرين من هذا العام، وحيث إن هذه المواقع تعد من وسائل الإعلام وإنها قناة تعبير المواطن عن رأيه وتعتبر المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هي المصدر الرئيسي لمعظم الحقوق المتعلقة بالتعبير عن الرأي وحرية التعبير بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي كما كفلتها الفقرة (أولاً) من المادة (38) من الدستور التي جاء فيها الآتي (تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: أولاً: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل) ويلاحظ على ذلك النص الدستوري انه اعتبر التعبير عن الرأي بكل الوسائل ولم يحدد أو يستثني مواقع التواصل الاجتماعي منها، إلا انه اشترط أن لا تكون قد أخلت بالنظام العام والآداب العامة وقد يقول احدهم إن وجود مواقع التواصل الاجتماعي في فترة الاحتجاجات يؤدي إلى الإخلال بالنظام العام ونقف عند هذه النقطة بالتحليل الآتي :
1. إذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي تسهم في خرق النظام العام وتؤدي إلى نتائج مخالفة للقانون والدستور، فان الحكومة حجبتها في اليوم الأول من الاحتجاجات ولم يؤثر ذلك في وقف تلك الاحتجاجات بل استمرت بشكل متعاظم أدى إلى إراقة الدماء وهذا يعني إنها ليست المؤثر في تلك الاحتجاجات ولا تؤثر في الموقف الأمني والنظام العام.
2. إن ذلك الحجب هو خرق لحق دستوري ولابد أن يكون بموجب قرار قضائي حيث أشارت المادة (40) من الدستور إلى ذلك ومنعت قطع أي اتصال عبر الوسائل الالكترونية وغيرها إلا لضرورة امنية وبقرار قضائي وعلى وفق النص الآتي (حرية الاتصالات والمراسلات البريدية والبرقية والهاتفية والالكترونية وغيرها مكفولةٌ، ولا يجوز مراقبتها أو التنصت عليها، أو الكشف عنها، إلا لضرورةٍ قانونيةٍ وأمنية، وبقرارٍ قضائي) لذلك فان القرار بحجبها والاستمرار فيه هو مخالفة دستورية لأنه لم يكن بموجب قرار قضائي.
3. إذا ما افترضنا جدلاً بان أوامر الحكومة بحجب مواقع التواصل الاجتماعي كانت من اجل المصلحة العامة فان من الواجب أن تلتزم بها قيادات الحكومة ذاتها، وكذلك كبار السياسيين فيها ، ومحاسبتهم إن هم خرقوا التوجيه واستخدموا مواقع التواصل الاجتماعي بطرق فنية متاحة للجميع ، لأننا نجد إن رئيس مجلس الوزراء وهو رئيس الكابينة الحكومية واغلب الوزراء وقادة الكتل السياسية التي تشكلت منها الحكومة وخرجت من عباءتها نجدهم ينشرون آرائهم وتوجيهاتهم عبر تغريدات (تويتر) او صفحات (الفيس بوك) وغيرها مع وجود قرار الحظر والحجب ونفترض إنهم في العراق ، لذلك لا يمكن تصور أي أمر غير إنهم استخدموا تطبيقات (VPN) مثلما يفعل الجميع بما فيهم كاتب هذه المادة.
4. إذا ما قام رئيس الحكومة بخرق قرار الحجب وان ذلك القرار تم الالتفاف عليه باستخدام تطبيقات تفتح تلك المواقع لمستخدميها، فما الغاية من استمرار قرار الحجب وهو لم يحقق غرض الحكومة المعلن عند الحجب.
ومما تقدم أرى ان بقاء قرار الحجب هو استمرار في الخرق الدستوري لحق المواطن في التعبير عن رأيه لأنه لم يكن بموجب قرار قضائي على وفق ما أشارت إليه المادة (40) من الدستور وارى من الأجدى والأفضل ان يتم رفع الحجب وإتاحة الخدمة للجميع بما فيهم كبار المسؤولين حتى لا يلتفوا على الأمر عبر تطبيق (VPN)

سالم روضان الموسوي

المصدر: الحوار المتمدن

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *