في 5 حزيران/يونيو 2022، أعلنت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي سعيها لإعادة عرض مشروع قانون “جرائم المعلوماتية”، الذي يمنح السلطات الحق في مراقبة ومحاسبة المواطنين على ما يكتبونه على مواقع التواصل الاجتماعي، للتصويت عليه خلال الدورة البرلمانية الحالية، مؤكّدة أهمية وجود القانون للحد من الكثير من الجرائم، وسط مخاوف من استغلال القانون لقمع حرية الرأي والتعبير.

يأتي ذلك بعدما أعلن البرلمان العراقي في عام 2021 أنّه سيتوقف عن عرض مشروع قانون الجرائم الإلكترونية، إلى ما بعد تعديله بحيث يحمي حرية التعبير بدلاً من التعدي عليها. وشهدت محاولات إقرار القانون إرتفاعاً في الزخم، نهاية العام الماضي، قبل  أن يتعهد رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي بأنه “لن يمرر القانون”، في جلسة ضمت سفراء غربيين ورؤساء منظمات دولية.

تلخص الباحثة العراقية، آسيا العبيدي، التي تعمل مع “الشبكة العراقية للإعلام المجتمعي” (INSM)،  أسباب عدم مرور هذا القانون بالرغم من مرور أكثر من 10 سنوات على بداية هذا النقاش، بأنّ “المشرّعين يحاولون تقييد حرية التعبير والرأي، خصوصاً للمدافعين عن حقوق الإنسان و الناشطين والصحافيين”، مضيفةً أنّ “هذا القانون سيشكّل وسيلة لاعتقالهم وقمعهم على أبسط المنشورات”.

 تشير العبيدي، أن مسودّة القانون “تشمل 21 مادة تتضمن عقوبات سالبة للحرية، ويتفرّع منها 63 حالة يخضع فيها المواطن إلى عقوبات بحسب التوصيف الوارد للقانون، من بينها 10 حالات تقضي بالسجن المؤبد مع غرامة مالية تتراوح بين 25 إلى 50 مليون دينار عراقي (من 17 ألف إلى 34 ألف دولار أميركي)”.

ومن ضمن العقوبات، يضمّ القانون “25 حالة تقضي بالسجن المؤقت، مع غرامة مالية تتراوح من عشرة إلى ثلاثين مليون دينار (من 6800 إلى 20 ألف دولار)، إضافة إلى 28 حالة أخرى تقضي بالحبس لأقلّ من 5 سنوات مع غرامة تتراوح بين 2 إلى 30 مليون دينار (من 1370 دولار إلى 20 ألف دولار)”، تضيف العبيدي.

ولذلك، “لا بدّ من إشراك منظمات المجتمع بصورة جدية وحقيقية في إدخال التعديلات اللازمة على هذا القانون”، وفقاً للعبيدي التي تؤكّد أنّه “لا يمكن أن يستمرّ العراق بالاعتماد على نظام العقوبات الذي أقر في وقت لم يكن للجرائم المعلوماتية وجود في العراق”.

تؤكّد العبيدي كذلك رفض مرور مسودة هذا القانون بشكله الحالي تماماً، “لأنّ مروره يعني حبس أيّ شخص ينشر منشوراً على وسائل التواصل الإجتماعي لم يتناسب مع أفكار أو توجه جماعة سياسية معينة، ما يؤدّي بالتالي إلى زيادة الفوضى والتهديد التعسّفي الذي يؤدي إلى انخفاض متزايد في حرية التعبير في العراق”.

يشير خبير عراقي في الأمن السيبراني ومصمم مواقع إلكترونية، فضّل عدم ذكر اسمه، إلى أنّ الحكومة تقدّمت في العام 2011 بمشروع قانون كان بعنوان “جرائم المعلوماتية” وتضمنت المادة الثالثة منه المتعلقة بالأحكام العقابية تعبيرات فضفاضة وعامة، يمكن للسلطة استخدامها لاحقًا كما تشاء لإيقاع عقوبات شديدة، تصل حد السجن المؤبد.

في العام 2019، قُدّمت نسخة معدلة من القانون نفسه مع تغيير عنوانه ليكون “مكافحة الجرائم الإلكترونية” مع بقاء الفكرة الكامنة وراء صياغة القانون، وهي “تقنين حرية التعبير وفقًا لمصلحة السلطة من جهة، والإبقاء على إمكانيات التأويل المفرط لمواد القانون بما يُتيح استخدامه أداة حقيقة لقمع حرية التعبير ومصادرتها”، وفق الخبير.

أسقط اقتراح القانون في العام 2019، ويُعاد تقديمه عند كل ندوة برلمانية في العراق. ركّزت الانتقادات على منح السلطات إمكانية محاكمة المدونين على قضايا مثل إنشاء حسابات إلكترونية بأسماء غير الأسماء الحقيقية لأصحابها، وعدم التفريق بين الانتقاد والشتم للشخصيات العامة والمؤسّسات، كذلك تقيد الوصول للمعلومات وحق نشرها، خاصة ما يتعلق بقضايا الفساد.

محاولة القانون التي قدمت في 2021، كانت محط اهتمام من منظمة “هيومن رايتس ووتش” (HRW) التي أصدرت بياناً قالت فيه إنّ “القانون كان سيسمح للسلطات العراقية بمقاضاة أي شخص يكتب على وسائل التواصل الإجتماعي أو ينشر على الإنترنت، لا يتوافق مع رؤية السلطات، من خلال إعتبار المحتوى تهديداً للمصالح الحكومية أو الاجتماعية أو الدينية”. وتقول المنظمة بأن العقوبات القاسية التي يفرضها القانون، بما في ذلك الغرامات الباهظة والحد الأدنى من أحكام السجن، يمكن أن يكون لها تأثير مباشر على حرية الرأي والتعبير.

صحافيو العراق: لسنا محمين

القانون الموجود والمجمد، أي قانون المعلوماتية، هو بمثابة “الأخ الأكبر الذي يراقب ما تكتب في مواقع التواصل الإجتماعي ويقيّد حرية الرأي والتعبير”، كما يقول الصحافي والحقوقي العراقي أكرم السياب.

يلفت السياب لـ”سمكس” إلى أنّه في “مجال الصحافة وحرية الإعلام تحديداً، لم يتبنَّ المشرع العراقي قوانين استراتيجية لضبط إيقاع العمل الصحافي، بل اعتمد على مبدأ الاجتهاد والإحالة في الجرائم المعلوماتية، وعلى مواد قانونية متفرقة في قانون العقوبات العراقي في العام 1969”.

في المقابل، تتمثّل المشكلة التي تواجه العمل الصحافي في العراق في “الأمن وليس القانون”، “فمقابل الرأي الذي يُكتب بالقلم هنالك رأي يحمل رشاشاً آلياً ينتهك حياة الصحافي”، يقول السياب.

في 31 أيار/مايو 2022، تعرض الصحافي العراقي، ماجد السوداني، إلى اعتداء في محافظة النجف، عبر إضرام النار في سيارته المتوقفة أمام منزله، وفق “مرصد الحريات الصحفية” العراقي الذي أشار إلى تزايد حالات العنف والقتل والتهديد للصحافيين والناشطين العراقيين.

بالإضافة إلى ذلك، ثمّة تصادم بين القانون والتعليمات. على سبيل المثال، يشير السياب إلى أنّه “في حين يستطيع الصحافي التصوير وإجراء المقابلات في أي مكان عام أو منشأة حكومية وفق القانون، فإنّ التعليمات التي يتعامل بها عنصر الأمن قد تمنع كلّ هذا”.

من جهة ثانية، يتخوّف الصحافي الرقمي العراقي، محمد المؤمن، من أن يشكّل قانون جرائم المعلوماتية الذي لم يقر حتى الساعة “أداة قمعية بدل حماية الصحافيين أو الناشطين”، لافتاً إلى قانون المطبوعات الذي أقرّ قبل ظهور الإنترنت والآن يحاسَب بموجبه الصحافيون”.

على الرغم من أنّ “الإنترنت في العراق أصبح مسرحاً لجرائم الابتزاز والتشهير وخطاب الكراهية، فإنّ “مشروع القانون أو قانون العقوبات القاسي، بموادهما الفضفاضة، يشكّلان خطراً على عمل الصحافيين وحماية لأصحاب النفوذ من النقد”، يختم المؤمن.