في بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر، لم يكتفِ المعتدون على أجهزة ومعدات شركة “إيرثلنك” في منطقة القيارة بمدينة الصدر بتخريبها وقطع الإنترنت عن نحو سبعين ألف منزل عراقي، بل هدّدوا الشركة في حال إرسال أي من موظفيها لإصلاح المشكلة أو أي قوة أمنية “فستتم مواجهتهم”.

لم يمضِ أكثر من يوم واحد حتّى حصل اعتداء آخر استهدف محوّلات الإنترنت في مدينة الصدر شرقي بغداد.

يكثر هذا النوع من استهداف أبراج الاتّصالات في بلاد الرافدين لأهداف تخريبية أو بهدف الابتزاز وضرب الشبكة الرسمية لمصلحة الأخرى “الوهمية”. ويعود ذلك بحسب مؤسّس “الشبكة العراقية للإعلام المجتمعي” (INSM)، حيدر حمزوز، إلى  “وجود عصابات لتهريب سعات الإنترنت التي تبيعها وزارة الاتصالات لشركات الإنترنت، ما يضطرّ بعض شركات الإنترنت الصغيرة إلى التوجّه لمهرّبي الإنترنت”.

ويؤكّد المختص بحوكمة وأمن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، علي أنور، لـ”سمكس”، أنّ “وزارة الاتصالات تُسيطر عليها أطراف مُعينة، ما يُفسّر سطوع نجم بعض الشركات وأفول بعضها الآخر، كما أنّ الشركات التي تستثمر بالاتصالات مُعرضة للابتزاز من عشائر أو مليشيات أو أشخاص متنفذين لإجبارها على دفع مبالغ مالية مقابل عدم التعرض للبنى التحتية لها من أبراج وغيرها”.

  فساد ومحسوبية ومحاصصة

يرتبط الكثير من شركات الاتصالات بأحزاب سياسية أو ميليشيات، مما يوفر لها الحماية اللازمة من أي مساءلة قانونية، في حين تسيطر المحاصصة السياسية على القطاع لا سيما لناحية التعيينات الوظيفية.

هذا ما يؤكّده عضو لجنة النزاهة في البرلمان العراقي، النائب سعد حسين هاشم، الذي أشار في وقتٍ سابق إلى أنّ “الحكومة تتعرّض لضغوط من أحزاب سياسية كبيرة ذات نفوذ في وزارة الاتصالات وتمتلك شركات الاتصالات، لذلك لا تستطيع الدولة مواجهة هذه الشركات”، مضيفاً أنّ تعيين معظم أعضاء مجلس الإدارة في القطاع جرى بالتحاصص بين الأحزاب السياسية.

وبما أنّ هيئة الاتّصالات ثاني أكبر مدخل للموارد المالية للدولة بعد النفط لأنها تعمل على جباية الاشتراكات، حسبما يشرح حمزوز، “ترى الكثير من الشركات العاملة في قطاع الإنترنت تنتمي إلى جهات سياسية أو يمكن أن تتأثّر بالجهات السياسية تأثيراً كبيراً”.

كما ترى أن «هيئة الاتصالات غالباً ما تخضع لطلبات الحكومة أو الأحزاب، وأبرز مثال على ذلك هو قطع الانترنت بالامتحانات والتظاهرات بعد أحداث أكتوبر/ تشرين الأول 2019 حيث صرحت أنها كانت تستلم طلبات من وزارة الاتصالات ووزارة التربية بقطع الانترنت، وكانت تستجيب لهذه الطلبات»”

هذا وتلعب الرشى دوراً كبيراً في تهديم قطاع الاتصالات في العراق بهدف تقاسم الحصص. وجد تقرير صدر في عام 2022 أن شركة إريكسون للاتصالات السلكية واللاسلكية لديها تاريخ طويل من الرشوة والفساد في العراق، بما في ذلك منح عائلة بارزاني 1.2 مليون دولار للحفاظ على شبكاتهم الخلوية وتوسيعها في العراق وحتّى دفع الرشى للإرهابيين لتسهيل مرور موظّفيها.

وتضيف الباحثة في شبكة إنسم” للحقوق الرقمية، آسيا العبيدي العبيدي أنّ “بعض المعلومات تشير إلى أنّ مزوّدي خدمات الإنترنت يرشون هيئة إدارة الاتصالات لضمان بقاء أسعار المستهلك مرتفعة”.

بنية تحتية لا ينقصها التخريب

يُعاني العراق من ضعف في وصول خدمات الإنترنت إلى جميع المناطق بنفس الجودة بحيث يوجد اختلاف كبير بين المحافظات، وحتّى بين بغداد وإقليم كردستان اذ أن انقطاع هذه الخدمة عن المحافظات العراقية لا يعني انقطاعها في الإقليم، كما أنّ المبلغ المدفوع لخدمات الإنترنت لا تتناسب مع جودة الخدمة المُقدمة ولا مع نسبة الدخل للمواطن العراقي.

وتشرح العبيدي أنّ “عدداً كبيراً من القرى والأرياف تصله خدمة الجيل الثاني فقط، وغالباً ما يكون عبارة عن إنترنت وهمي، أي أن شبكة الانترنت تكون ضعيفة جداً لدرجة يصعب استخدامها. وتركّز عمليات التطوير بالعادة على العاصمة مع وعود وزارة وهيئة الاتصالات بوصول الخدمة إلى جميع المناطق قريباً”. أمّا هذا التحسين في البنى التحتية في مناطق معينة على حساب مناطق أخرى، ما عدا إقليم كردستان الذي يمتلك وزارته وشبكته ومشاريعه الخاصة، “فيعود إلى التحاصص الطائفي” بحسب مؤسّس “إنسم”.

بالإضافة إلى ذلك، لا تزال البنية التحتية للهاتف المحمول في العراق تعتمد إلى حدٍ كبير على تقنية الجيل الثالث (3G)، وفقاً للعبيدي، التي تضيف أنّ “المشتركين يرون أسعار الاشتراكات مبالغ بها جداً مقارنة بالجودة التي تقدّم لهم، حيث تتراوح الأسعار بين 23.74 دولار وصولا إلى 67.8 دولار للباقة الشهرية”. وتزداد المعاناة مع تغيّر سعر صرف الدولار، حيث تُباع بطاقات مزودي الخدمة بالدولار وليس بالدينار العراقي.

وحتّى مع البدء بتركيب شبكات الجيل الرابع (4G) في العام الماضي، فإنّ خدمات الإنترنت وسرعتها لم تتطوّر بصورة تواكب الحاجة إليها، وفقاً لحمزوز الذي يرى أنّ جودة الخدمات لا تتلاءم مع “الوقت الذي يستخدم فيه الفرد العراقي الإنترنت بمعدل يفوق الـ10 ساعات يومياً بحثاً عن المعلومة أو العمل، وهو معدل كبير قياساً بباقي الدول”. كما كما أشارت الإحصائيات إلى أن عدد المستخدمين للإنترنت وصل إلى 20 مليونًا و580 ألف مستخدم خلال عام 2022.

بالإضافة إلى الفساد، أثّر غياب الموازنة على “منع الوزارة من إمكانية القيام بأي عملية تحسين للقطاع أو زيادة في الاستثمارات المتعلقة به”، وفقاً لما يقوله المحلل الاقتصادي صالح الهاشمي، في حديث مع “سمكس”.

فقد شكّل غياب الحكومة عنصراً أساسياً في عدم قدرة العراق على تطوير قطاع الاتصالات والإنترنت، أضف إلى ذلك عدم إقرار حكومة تصريف الأعمال لموازنة العام 2022 واستخدام الأمر من قبل السلطة، ولا سيما وزارة الاتصالات، “كذريعة لعدم إكمال المشاريع الاستراتيجية والبنى التحتية لهذا القطاع، فالوزارة ليس لديها أي رؤية واضحة لقطاع الاتصالات”، كما يشرح حمزوز.

يوافق المختص بحوكمة وأمن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، علي أنور، على تأثير غياب الموازنة على القطاع، “ولكن ليس بدرجة تأثيره على باقي القطاعات، لا سيما وأنّ وزارة الاتصالات تعمل من خلال ثلاث شركات تتمتع بتمويل ذاتي ولها أبواب في الميزانية تُمكّنها من الصرف”.

اليوم وبعد انتخاب عبداللطيف رشيد رئيساً للجمهورية، ونيل حكومة محمد شياع السوداني الثقة من قبل البرلمان، هل تساهم هذه الانفراجة السياسية في تشكيل حكومة طال انتظارها بعد الانتخابات النيابية التي جرت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، ما يسمح بإعادة تفعيل الموازنة بما فيها الاستثمار في قطاع الاتّصالات؟