“بينما يدور النقاش في العالم حول حقّ المواطنين في الخصوصية وحرية التصفّح على الانترنت، تعجز الحكومة عن توفير أبسط حقوق العيش الكريم للشعب، فتعمد إلى إسكات صوته تارةً عن طريق قطع النت وتارةً أخرى عبر حجب مواقع التواصل الاجتماعي، حتى يبقى الشعب في عزلةٍ عن الإعلام” بهذه الكلمات يصف هاشم (٢٣ عام) وهو طالب جامعي يدرس الصحافة، واقع حرية الانترنت في العراق. في بلدٍ وصل عدد مستخدمي الإنترنت فيه إلى أكثر من ٣٠ مليون من أصل ٤٠ مليون نسمة، وفقًا لاحصائيات وزارة التخطيط، يكون العبء الاقتصادي لحجب الانترنت، كبير جدّاً.

ومنذ الغزو الأميركي للبلاد عام ٢٠٠٣، كان للعراق باعٌ طويلٌ من الاضطرابات المدنية وحركات الاحتجاج التي ووجهت بكافة أشكال العنف والقمع إن على الأرض أو في العالم الافتراضي. وبينما في مصر، تحاول الحكومة تحجيم الإعلام المحلّي عن طريق حجب المواقع، تلجأ السّلطات العراقيّة إلى إطفاء الانترنت أحيانًا أو حجب وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبح يعتمد عليها الشباب والشّابات في العراق كمصدرٍ رئيسي لمعرفة الأخبار على الأرض.

هكذا شكّلت “ثورة تشرين الأول/أكتوبر عام ٢٠١٩”، (التي نجم عنها حجب وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة الفورية لمدّة استمرت ٥٠ يومًا)، مدخلًا للكثير من العراقيين إلى خدمات الشبكات الافتراضيّة الخاصّة (Virtual Private Network) والتي تُختصر بالانجليزية بـ ڤي.پي.أن (VPN). وحتّى عندما حجبت الحكومة متاجر التطبيقات الرّسميّة من جوجل وآبل، انتشرت في مجموعات تيليجرام ملفّات آندرويد بصيغة APK لتثبيت خدمات الڤي.پي.إن المختلفة، بالإضافة إلى تعليمات حول استخدام البروكسيات للوصول إلى متجر آبل.

وتعتبر سرعة الانترنت في العراق بطيئة مقارنةً بالدول الأخرى في المنطقة، ناهيك عن ارتفاع معدّل ثمن خدمات الإنترنت نسبيّاً، حيث يحلّ في المرتبة ١٩٢ من بين ٢٢١ دولة، ويحتاج تحميل مقطع فيديو سعة 5 جيجابايت إلى أكثر من 4 ساعات. وعندما تحرّينا في زنچة عن حقيقة الأمر، تبيّن أن السرعة قد تكون أقلّ من ذلك بكثير، بل في بعض الحالات قد لا تتجاوز الـ 400 كيلوبايت/ ثانية بحسب ما أورد لنا عدد من المستخدمين. لذا فإنّ استخدام خدمات ڤي.پي.إن، والتي تعيد توجيه الاتصال بالانترنت، عبر شبكة افتراضيّة خاصّة، إلى خادوم يحمل عنوان بروتوكول انترنت (IP) يكون موجود في بلد آخر، يزيد من بطء الانترنت البطيء أصلًا.

كما تجدر الإشارة أنّ الانقطاعات في الخدمة هذه لا تشمل شمال البلاد، حيث تحكم قوانين حكومة إقليم كردستان العراق عمل مزوّدي الانترنت هناك.

دوافع وحالات استخدام (Use Cases) الڤي.پي.إن

“أريد أتابع شنو صاير”

تشهد البلاد بين الحين والآخر تظاهراتٍ مطلبية في محافظات مختلفة، تقول عنها مينا البالغة من العمر ٢٨ عامًا إنها تمثّل امتدادًا وتجددًا لـ “ثورة تشرين الأول/أكتوبر عام ٢٠١٩”. وتشير مينا المقيمة في بغداد إلى أنّها تستخدم خدمات تجاوز الحجب بسبب التضييق المتعمّد على تصفّح منصات التواصل الاجتماعي (فيسبوك، وتويتر، وواتساب، وانستغرام بالإضافة إلى تطبيقاتٍ أخرى) الذي عادةً ما يترافق مع الاضطرابات المدنية. وتقوم مينا بذلك من خلال “Hotspot Shield”. وحول سبب اختيار هذا التطبيق بالتحديد، تجيب أنّ أصدقاءها نصحوها بذلك، وأنه “مجاني وسهل التعامل وياه كلش”. لكن في السابق كانت تستعين بتطبيق “Hola” لتجاوز الحجب، ولكن عمدت إلى حذفه بعدما تبين أنّ التطبيق “إسرائيلي” المنشأ. وقد قمنا في زنچة بالبحث للتأكّد من صحّة المعلومة، ووجدنا فعلًا أنّ مقر الشركة يقع بمدينة “نتانيا” في فلسطين.

“القوانين العِدنة ما تساعد”

يشير الناشط صلاح (٣٣ عام) إلى أنّ القوانين المرتبطة بالانترنت في البلاد “على عكس الكثير من البلدان تعدّ غامضة، وتعطي انطباعًا أنّ الإنترنت يتمّ التحكّم فيه ومراقبته في أيّ وقت وفي أيّ مكان” وهذا ما يجعل المستخدمين يستعينون بالـ ڤي.پي.إن لتجنّب العقوبات الغير عادلة والقاسية تجاه الحق في حرية التعبير. وحول تطبيق الـ VPN الذي يستخدمه صلاح فهو “سايفون” (Psiphon) طالما هو متّصل بالانترنت، في محاولةٍ منه لحماية بياناته وحفظ خصوصيته حيث أنّ التطبيق يخفي بروتوكول الانترنت الخاص به، “في ظلّ عدم وجود قوانين تتعامل بشكلٍ خاص مع حماية البيانات” كما يقول. ويعدّ هذا التطبيق المجاني، من التطبيقات الأكثر رواجًا في العراق التي يلجأ إليها المستخدمين. لكن الخبير التقني مهنّد (٢٧ عام) يحذّر من تنزيل Psiphon من مصادر غير موثوقة، وذلك لاحتواء اصدارات من التطبيق على برمجيات تجسّس خبيثة لديها القدرة على قراءة الرسائل النصيّة، وأخذ لقطات الشاشة، وكذلك نسخ الصور وتسجيل المكالمات الهاتفية ومقاطع الفيديو والموقع الجغرافي GPS من الهواتف المصابة، وهذا ما وثّقته منظّمة “سيتيزن لاب” (EN).

“علمود الأمان”

بالنسبة لهاشم فهو يستعمل VPN لنفس الغايات كما الحال مع مينا، يُضاف إليها عند استعماله تطبيق “كلوب هاوس” (Clubhouse)، ويبرّر هاشم ذلك بالقول إنّ “التطبيق ميحتوي ع شخصيات مجهولة ويحجي المتحدث بصوتة، ويعرف عن نفسه” لذلك فاستخدام VPN يرفع من مستوى الأمان إلى حدّ ما بالنسبة له، خصوصًا و”أنّ هناك عدد من الناشطين قد تلقّوا تهديداتٍ بسبب نشاطهم على كلوب هاوس”. ويرى هاشم أنّ الحكومة تتخوّف من “كلوب هاوس” وتطبيقاتٍ أخرى وتتحجّج بإمكانية استخدامه من قبل المتطرّفين، لذلك لا يستبعد حجب التطبيق في المستقبل، وعندها “الحل لازم تستخدم برنامج VPN علمود الحجب”.

في العمل والاتصالات

يقول صلاح الذي يعمل في مجال الأبحاث كدوامٍ جزئي، إنّ عمله يحتاج للانترنت، لذلك يعمد إلى تشغيل الـ VPN، وهذا يغيّر من نتائج البحث التي يحصّلها على جوجل عند القيام بعمله، لأنه “يغيّر الـ IP الفعلي مالة الجهاز، ويُظهر أني متواجد في بلدٍ آخر خارج العراق”. أمّا مينا فهي تستخدم الـ VPN في عملها كموظفة في مكتب لحجوزات السفر، حيث أن جزءًا من عملها يقتضي التعامل مع الزبائن “أونلاين” خصوصًا عبر فيسبوك وواتساب، لأنّ “خدمة الانترنت كلش تعبانة وكل شوية يفصل” لذلك فالـ VPN يحسّن من فتحها من خلال التحايل على بيانات مزوّد خدمة الانترنت، ثم تبتسم وتقترح “نسوي شفتات علمود يتحسن النت”. فيما يذكر هاشم أنه يستعين بتطبيق الـ VPN للتواصل مع أصدقائه خارج البلاد على تطبيق “سيجنال” (Signal) و”تيليجرام” (Telegram)، في خطوةٍ تهدف لتأمين اتصالاته على حد ما يقول، خصوصًا أنّ بعض النقاشات تدور رحاها حول المستجدات والأوضاع في البلاد. وتجدر الإشارة إلى أنّ استخدام ڤي.پي.إن عند تصفّح مواضيع حسّاسة أو الخوض بها، هي ظاهرة منتشرة بين المستخدمين في مصر أيضًا.

لأغراض ترفيهيّة ومصرفيّة …

في عام ٢٠١٩، شهد العراق موجةً كبيرة لاستعمال الڤي.پي.إن عقب قرار مجلس النواب حظر ألعاب ڤيديو شهيرة أهمّها ” (PUBG) و”فورتنايت” (Fortnite) بسبب “التحريض على العنف” (قبل حجب اللّعبة كان بعض الشّباب يستخدمون غرفها للحشد للتظاهرات). ولم يوقف الحظر الكثيرين من اللّعب، فعمّار مثلاً يستخدم ڤي.پي.إن أثناء تشغيل “بوبجي موبايل”، ويعمد إلى اختيار بلدانٍ مثل سنغافورة من أجل الحصول على ميزات غير متاحة في دولٍ أخرى.

وكحال الكثيرين مثله، يستخدم مصطفى (٢٣ عام) تطبيق تجاوز حجب لاستخدام “سپوتِفاي” (Spotify)، وهي خدمة لبثّ الموسيقى غير متاحة في العراق. كما أنّ هناك من يلجأ إلى الڤي.پي.إن من أجل الوصول إلى مواقع تفرض قيودًا جغرافية على محتواها مثل “HBO Max” الذي يقدم خدماته حصرًا في أمريكا الشمالية. كما يعمد بعض العراقيّين الذين عاشوا في الخارج، مثل مريم التي تعمل كباحثة اجتماعيّة في مؤسّسة دوليّة، إلى استخدام ڤي.پي.إن عند حاجتها للوصول إلى حسابها في خدمة PayPal، الغير متوفّرة أيضاً في العراق.

بعض مواصفات الڤي.پي.إن “المثالي” في السّياق العراقي

  • موثوق ولسوء الحظ هذا يعني أحياناً أنه سيكون عليكم دفع ثمنه!
  • أن لا يكون مقدّم الخدمة أو بلد المنشأ مشبوهًا كما حصل مع مينا بخصوص تطبيق Hola “الإسرائيلي”.
  • لديه واجهة غير معقّدة : حيث أنّ تجربة المستخدم يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا في الاختيار.
  • أن يكون داعمًا للعربية قدر الإمكان: “لأنّ الكثير من المستخدمين لا يتقنون لغات أخرى”.

نصائح وتحذيرات إلى المستخدمين والمستخدمات في العراق

ليست جميع خدمات الڤي. پي.إن سواسية

كمستخدمة عليك أن تعرفي أنّ كل شركة أو جهة تقدّم خدمة الـ VPN تعطي الأولوية لجانبٍ معين. فمثلًا يمكن أن يكون التركيز على جانب السرعة، أو أن يكون التشفير، أو حتى الحفاظ على المجهولية، لذلك تحتاجين للتأكد من أولويات الاستخدام حتى تتطابق مع أولويات الشركة التي تختارينها. فمثلًا هناك العديد من أدوات الڤي. پي.إن تواجه عقبات في تجاوز حجب VPN الذي تفرضه شبكة “نيتفليكس”، ولكن ExpressVPN و CyberGhost تنجحان بشكلٍ مستمر في التغلب على تلك العقبات. أمّا إذا كنت تعمل كناشطٍ.ة أو صحافي.ة، أو أيّ شخص يقدّر قيمة الخصوصية، ينبغي اختيار VPN لا يحتفظ بسجلات ويتميز بتشفيرٍ آمن.

احرصوا على مصادر تحميل الملفّات

تقول القاعدة الذهبية “لا تقم بتنزيل التطبيقات من مصادر لا يمكن الوثوق بها” لكن في حالة الحجب لا سيما حجب متاجر التطبيقات يكون الموضوع مختلف، لكن عليكم التأكد من مصداقيّة مصادر ملفّات تثبيت الـ VPNs. وفي زنچة نحرص على تأمين مصادر تنزيل متعدّدة لتجاوز الحجب لخدمة الناطقين بالعربيّة، سواء مباشرةً عبر بوت الإيميل (ezzanga@zanga.tech) أو بوت التيليجرام (zangatech_bot@)، اللّذان سيجيبان على رسائلكم بقائمة تحوي جميع التطبيقات المتاحة على زنچة.

احرصي على هويّتك الرّقميّة من الجيوش الالكترونيّة

تعتبر هذه الجيوش واحدة من أكثر الممارسات انتشارًا في العراق، وتقوم بشنّ هجمات الكترونية لاختراق الأجهزة أو حسابات التواصل الاجتماعي، وحتى التهديد بالابتزاز الالكتروني مثل فبركة صور أو فيديوهات أو حتى عمل حساباتٍ مزورة باسم الناشطين المعارضين وغيرها… لذلك لا تقومي عند التسجيل في أي منصة أو موقع بتقديم معلوماتٍ إضافية بخلاف الضرورية بما قد يكشف هويتك. واعملي على استخدام بريد إلكتروني غير شخصي وتفادي وضع رقم هاتفك الخاص. ونقترح عليك أيضًا دورتي “خصوصيّتك في الحيّز الافتراضي” وكذلك “مواجهة التحرش على الإنترنت” لتعزيز ممارسات الأمان الرّقمي بين الصّحفيّات والصحفيين.

في حال اطفاء الانترنت KeepItOn#

في حال انقطاع خدمات الإنترنت، يمكن استخدام تطبيقات للمراسلة بينك وبين الآخرين. كيف؟ واحد من هذه التطبيقات هو “بريار”(Briar)، تطبيق مفتوح المصدر، يتيح إرسال رسائل مباشرة خاصة وتكوين مجموعاتٍ خاصة، مع إمكانية نشر مدونات مصغّرة يمكن فقط لمعارفك قراءتها. ويمكن للتطبيق المزامنة عبر بلوتوث أو الوايفاي، وفي حال عودة الإنترنت يمكنه المزامنة عبر شبكة تور لحماية المستخدمين من الرقابة. وننصحكم في العراق بمتابعة “مرصد نتبلوكس” لمراقبة الانترنت وكذلك “الشبكة العراقية للإعلام المجتمعي”(INSM) لمعرفة ومواكبة آخر المستجدات حول وضع الانترنت في البلاد، ولا تنسوا استخدام وسم “KeepitON#” في حالات الحجب سواء الكلّي أو الجزئي للانترنت.

إن كنتم ميسوري الحال، استخدموا خدمات مدفوعة

يشدّد الخبير التقني مهند على أهمية اختيار VPN ذات سمعةٍ جيدة، خصوصًا أنّ البعض يعمد إلى تحميل تطبيقات تطلب صلاحيات وصول غير منطقية، وواسعة أثناء التثبيت مثل قراءة حالة الهاتف والهوية، أو قراءة جهات الاتصال وغيرها من الأذونات. وأنّ بعض التطبيقات توفّر الخدمة بدون تشفير للبيانات التي تنتقل بين المستخدم وبين الطرف الآخر. كما يلفت مهند إلى أن الكثير من الـ VPNs وخصوصًا “المجانية” منها تعمد إلى استغلال بيانات المستخدمين الشخصية، وبيعها لأطرفٍ ثالثة لغاية الإعلانات أو أغراض أخرى دون علم المستخدمين. أمّا عن الحلّ بحسب مهند فهو “يتمثّل بالاستعانة بخدماتٍ غير مجانية وهي متوفّرة بأسعارٍ لا تتخطّى الـ 15 ألف دينار عراقي”. وعند الطلب منه ذكر أسماء بعض التطبيقات الموثوقة، أوصى بالاعتماد على التطبيقات المتاحة منذ سنوات، ولديها شفافية حول كيفية التعامل مع البيانات الخاصة مثل NordVPN و Tunnelbear وExpressVPN وغيرها.

وفي النهاية ينصح مهند المستخدمين الاستعانة بالـ VPN لدى الاتصال بالانترنت من أيّ شبكة سواء في المقهى أو المطعم أو أيّ مكانٍ عام.


صورة الغلاف لِ: سعد سليم عبر موقع Unsplash وهي لمشهد من إربيل

مصدر المقالة على موقع زنجة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *