جنيف (في 3 آب/ أغسطس 2021) – يجب أن يُترجَم اليوم الإطار القانوني العراقي لمنع سوء المعاملة، الذي تم تطويره على مدى سنوات عديدة، إلى تدابير فعالة تهدف إلى معالجة التعذيب في مراكز الاحتجاز وإلى منع المزيد من الانتهاكات، بحسب ما جاء في تقرير للأمم المتحدة نُشر نهار الثلاثاء.
ويصف التقرير الذي أعدّته بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى العراق ومفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، وعنوانه “حقوق الإنسان في تطبيق العدالة في العراق: الشروط القانونية والضمانات الإجرائية لمنع التعذيب والمعاملة السيئة”، كيف أن ممارسة التعذيب لا تزال متفشية في جميع أنحاء البلاد على الرغم من أنّ الإطار القانوني العراقي يجرّم صراحةً التعذيب ويحدّد الضمانات الإجرائية لمنعه.
ويستند التقرير، الذي يغطي الفترة الممتدّة بين 1 تموز/ يوليو 2019 و30 نيسان/ أبريل 2021، إلى مقابلات أُجرِيَت مع 235 شخصًا محرومين من حريتهم، ومع عدد من موظفي السجون ومن القضاة والمحامين وأهالي المحتجزين وغيرهم من الجهات الأخرى المعنية.
وأخبر أحدُ المحتجزين موظّفي الأمم المتّحدة الذين ساهموا في إعداد التقرير قائلاً: “لقد عشتُ أسوأ أيام حياتي. وما إن وصلتُ إلى السجن حتّى انهالوا علي ضربًا بأنابيب معدنية. وفي الأيام التالية، استخدموا سلكَي كهرباء مكشوفَين وصعقوني بالتيار الكهربائي.”
وقد أعلنت مفوضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت قائلة: “أعترفُ بالتقدّم الذي أحرزَته السلطات العراقية على الجبهة القانونية لمنع التعذيب. ولكن على السلطات أن تنفّذ الأحكام المنصوص عليها في القانون بكلّ حذافيرها، وفي كل مركز من مراكز الاحتجاز، وإلاّ ستبقى هذه الأحكام حبرًا على ورق.”
وأضافت قائلة: “إنّ القضاء على التعذيب من أكثر الأدوات فعالية لإطلاق عملية بناء ثقة الجمهور في قدرة الدولة على تحقيق العدالة وتعزيز الإنصاف. وكع ذلك، عندما تنتهك السلطات نفسُها القانون، يكون لذلك تأثير عكسي تمامًا.”
يعتمد التقرير على النتائج التي توصّل إليها، كي يحلّل عوامل الخطر الأساسية التي تؤدي إلى سوء المعاملة. ويصف كيف أن الاستجوابات التي تجريها قوات الأمن تهدف عامةً إلى انتزاع الاعترافات، في حين أنّ الاستجوابات التي يجريها قضاة التحقيق غالبًا ما تركّز على تأكيد الأقوال التي تم الإدلاء بها أمام قوات الأمن، من دون التحقيق في ما إذا تم الحصول عليها بالإكراه أم لا.
وأخبر موقوف آخر الأمم المتّحدة قائلاً: “كبّلوا يدَي خلف ظهري وعلّقوني من أصفادي بسلسلة متدلية من السقف. لم يطرحوا عليّ أي سؤال بل استمروّا في الصراخ مطالبينني بالاعتراف.”
ويشير التقرير إلى عدم احترام الإجراءات القانونية المعتَمَدة التي ترمي إلى نقل الاستجواب والاحتجاز إلى كنف السلطة القضائية في غضون 24 ساعة من التوقيف الأولي. كما أنّ الحصول على محامٍ يتأخّر بشكل مُمَنهَج إلى ما بعد استجواب المشتبه بهم من قبل قوات الأمن.
وليس الفحص الطبي للمحتجزين عند وصولهم إلى مراكز الاحتجاز من الممارسات الروتينية المعتادة، وغالبًا ما يُسَجَّل الكثير من التأخير قبل منح المحتجزين الإذن بالاتصال بشخص يختارونه. بالإضافة إلى ذلك، يؤكّد التقرير أنّ أماكن الاحتجاز الرسمية لا تزال غير معروفة تمامًا.
ويثير التقرير القلق من أن السلطات تتجاهل الشكاوى وعلامات التعذيب، ويشدّد على أن الأنظمة التي تم إنشاؤها لمعالجة الشكاوى الرسمية تبدو غير عادلة أو فعالة. كما يشير التقرير إلى أن المساءلة المحدودة عن مثل هذه الإخفاقات من جانب السلطات تشير إلى الإذعان لهذه الممارسات والتسامح معها.
وشدّدت مفوضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان قائلة: “واقع أن العديد من المحتجزين يختارون عدم الإبلاغ عن مثل هذه المعاملة بسبب انعدام الثقة أو الخوف من الانتقام، يشير إلى عدم ثقتهم في النظام. ويحتاج هذا الجانب إلى المعالجة فورًا. ويقدم هذا التقرير توصيات محددة حول كيفية معالجة هذه الآفة التي تعيق تقدّم البلاد. والأمم المتحدة على أهب استعداد لمساعدة الحكومة العراقية في مسعاها هذا.”
يوصي التقرير باعتماد خطة عمل وطنية وقانون شاملَيْن لمناهضة التعذيب، على أن يتماشيا بالكامل مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، لا سيما اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.
وختمت باشيليت قائلة: “من شأن منع التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة ومقاضاة الجناة بطريقة فعالة، أن يتصديا لخطابات الجماعات الإرهابية وتبريراتها، ويحدا من قدرتها على استغلال مثل هذه الممارسات لتبرير أعمال العنف التي ترتكبها. ومن شأن منع التعذيب حقيقةً وعلى أرض الواقع لا على الورق فحسب، أن يساهم في إحلال السلام وتحقيق الاستقرار على المدى الطويل، وبالتالي أن يخدم مصلحة الدولة ومصلحة الضحايا على حدّ سواء.”
التقرير الكامل متوفّر باللغة العربية، الكوردية والإنجليزية